
قدم الدكتور سمير العيطة، رئيس منتدى الاقتصاديين العرب، تشريحاً دقيقاً ومثيراً للقلق للواقع الاقتصادي والسياسي السوري. في تحليل شامل، غطى العيطة التداعيات الكارثية للقرار الأخير برفع أسعار الكهرباء، الذي وصفه بـ "الصدمة" ، كاشفاً عن طبيعة الإدارة الاقتصادية الغامضة في دمشق وتأثير التدخلات الخارجية على مستقبل البلاد.
أوضح العيطة أن الرفع الأخير لأسعار الكهرباء ليس مجرد تعديل، بل "صدمة" حقيقية، مشيراً إلى أن الأسعار الجديدة تطابق أسعار شركات الكهرباء الخاصة العاملة في إدلب وعزاز (المرتبطة بتركيا)، بل وتفوق أسعار دول الجوار. وانتقد العيطة بشدة غياب الشفافية المطلق في هذا القرار، مؤكداً أنه "لا توجد أرقام معلنة" حول تكاليف هذه الشركات.
ولم تكن التداعيات مجرد توقعات، بل "بدأت بالفعل"، حسب العيطة، الذي أشار إلى آثار تضخمية فورية سبقت وصول الفواتير. لكن الضربة الأقسى كانت من نصيب القطاع الصناعي؛ ففي واقعة تبرز حجم الأزمة، أغلق أحد أكبر معامل الخيط في سوريا (900 عامل) أبوابه، معلناً عدم قدرته على المنافسة مع "البضائع التركية المدعومة".
يُظهر هذا التحليل أن القرار، الذي مُرر بعد منح وزارة الطاقة "استقلالية مالية وإدارية" بمرسوم جمهوري (بحسب العيطة)، لا يهدد فقط بتصفية ما تبقى من القاعدة الصناعية المحلية، بل يكشف عن تناقض صارخ؛ فبينما تُرفض مساعدة البنك الدولي لاحتواء الأثر على الفقراء، يتم اعتماد تسعيرة تضاهي أسعار شركات خاصة مرتبطة بالخارج، مما يضع عبئاً لا يُطاق على المواطن والصناعي معاً.
لم يتوقف العيطة عند قرار الكهرباء، بل اعتبره عرضاً لمرض أعمق: غياب "خطة واضحة" للإصلاح الاقتصادي. وأكد أن السلطة الحالية تفضل "العمل دون شفافية"، محكومة بمنطق "رأسمالية الأقرباء والأصدقاء" التي تُسلم العقود للمقربين، وهو نظام هجين لا هو اشتراكي ولا هو اقتصاد حر. وأشار العيطة إلى أن الشارع السوري يتقبل هذه القرارات الصادمة مرغماً بسبب حالتي "الخوف" و"التعب" المستشريتين بعد سنوات الحرب.
على الصعيد السياسي، أطلق العيطة تحذيراً خطيراً، مؤكداً أن "عم ينشغل على تقسيم سوريا بواشنطن"، مشيراً إلى أن هذا الحراك يجري داخل "الدولة العميقة" الأمريكية. وفي هذا السياق، اعتبر أن ملف عودة "الفلول" (المنشقين) هو "طلب أجنبي" أمريكي بالدرجة الأولى، تم التعامل معه بـ"تذاكي" عبر إحراج العائدين.
وفيما يخص الحراك الإقليمي، فسر العيطة دعوة تركيا المفاجئة للعميد مناف طلاس إلى أنقرة بالتزامن مع وجود شخصيات وازنة (كحقان فيدان وإبراهيم قالن)، بأنها "إشارة امتعاض" تركية من توجهات دمشق الحالية. فتركيا، بحسب تحليله، يهمها الحفاظ على "آليات الدولة" السورية ومن مصلحتها ألا تتفلت الأمور.
وحول ملف إعادة الإعمار الشائك، حذر العيطة من الاعتماد الكلي على الاستثمار الخارجي، مؤكداً أن المضاربات العقارية (المدعومة بقوانين مثل القانون رقم 10 المثير للجدل) هي المشكلة السائدة. وقدر العيطة، نقلاً عن البنك الدولي، تكلفة إعادة إعمار المساكن والبنى التحتية وحدها بنحو 100 مليار دولار، متسائلاً عمن سيمول الخدمات العامة غير المربحة كشبكات الكهرباء للمناطق البعيدة.


مرحباً، من فضلك، لا ترسل رسائل عشوائية في التعليقات