في قلب كل ثورة، يقبع صوت يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة. صوت لا يرى في الواقع إلا وجهًا واحدًا، ويحكم على كل من يختلف معه بالتهوّر أو الغباء. في المشهد السياسي الملتهب، حيث تتبدل الوجوه وتتغير السلطة، يبرز صحفيون يرفعون لواء النقد، لكنهم في الحقيقة لا يهاجمون النظام بقدر ما يهاجمون أنفسهم.
في النضال المعلوف
يا سيدي، لا يمكن إنكار أنك تحمل عباءة الثائر الذي لا يهادن.لغتك الحادة، وتحليلاتك القاسية، تضعك في خانة من يرى الأشياء بوضوح لا يراه الآخرون. أنت تصف النظام الحالي بـ"المراهقة الأمنية"، وتفضح ما تراه "شبيحة" جديدة، وتربط موكب رئيس الدولة بمواكب "أبناء المسؤولين". كل هذا يجعلك تبدو في عين جمهورك كصوت العقل والمنطق في مواجهة التهور واللامبالاة. لكن، اسمح لي أن أسألك: هل هذا النقد موجه بالفعل إلى السلطة أم هو انعكاس لصراعاتك الداخلية؟
إن كل ما تقدمه من تحليل سياسي، من مقالات ومقابلات، ليس إلا ساحة لتصفية حساباتك الشخصية. إنك لا تنتقد "أحمد الشرع" بقدر ما تنتقد الفشل الذي قد يكون لازمك في ماضيك. ربما كنت تطمح إلى مكانة لم تنلها في ظل النظام السابق، أو شعرت بأن جهودك لم تلقَ التقدير الذي تستحقه. هذا الشعور بالدونية، هذه العقدة المستترة، هي التي تدفعك اليوم للهجوم بضراوة على رموز السلطة الحالية، لتثبت لنفسك وللآخرين أنك أفضل منهم وأكثر حكمة.
تضخيمك لأهمية "مقابلة حسين الشرع" ليس تحليلاً مهنيًا، بل هو دليل على محاولتك المستميتة لإعادة بناء سرديتك عن "النظام العائلي" الفاسد، وهي السردية التي تسمح لك بصب جام غضبك على شخصية تتخيلها مرآة تعكس خيباتك. إنك تستخدم هذا النقد القاسي كوقود لتبرير عدائيتك.
وهذا الصراع الداخلي لا يبقى حبيسًا في داخلك، بل يتسرّب إلى كل عمل تقوم به. عندما تطرح حلولًا متطرفة مثل الانفصال أو التفكك، فإنك لا تفكر في مستقبل البلد الذي تدّعي الدفاع عنه، بل في مستقبل دورك كمعارض. الخوف من أن تصبح شخصية هامشية، أو أن تفقد مصداقيتك تدريجيًا إذا استمر النظام الحالي، يدفعك إلى طرح أفكار قد تكون خطيرة وغير مسؤولة.
إن تناقضاتك الداخلية تصنع حاجزًا بينك وبين من حولك. كيف يمكن لزميل أو صديق أن يثق بشخص يعيش في "وضعية المعركة" دائمًا، ويخفي جزءًا كبيرًا من دوافعه الحقيقية؟ كيف يمكن لأقرب الناس إليك أن يفهموا هذا التناقض بين الخطاب الثوري الذي تتبناه والتوتر الذي قد يسكنك في حياتك الشخصية؟
في الختام، إنك لا تحلل شخصية أحمد الشرع فقط، بل ترى نفسك في مرآتها. إنك تستخدم نقد الآخرين كمنصة لإعادة إنتاج صراعاتك الخاصة، وتستسلم لعقدك بدلاً من أن تتغلب عليها. هذا هو الوجه الآخر لـ"الحقيقة" التي تبحث عنها، وجه قد يكون أكثر قسوة من كل ما تهاجمه في السلطة.