في تطور غير مسبوق، كشفت وثيقة سرية حصلت عليها الجزيرة نت عن توقيع السودان وإثيوبيا على اتفاقية فنية مفصلة تتعلق بعملية ملء وتشغيل سد النهضة، في خطوة تمثل أول إطار مكتوب بين دولتي المنبع والمصب المباشرتين. هذه الاتفاقية، التي وُقّعت بالخرطوم في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2022، تكتسب أهمية بالغة لأنها تضع قواعد فنية واضحة لعملية ملء السد وتصريف المياه، بعيدًا عن الإطار العام لـ"إعلان المبادئ" الذي وُقِّع عام 2015.
الاتفاقية، التي صادق عليها وزيرا الري في البلدين، تضمنت بنودًا رئيسية تحدد آليات الملء التدريجي للسد خلال موسم الأمطار (يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول) حتى يصل منسوب المياه إلى 625 مترًا، مع التزام إثيوبيا بتقليص حجم التخزين في حالات الجفاف. كما نصت على إطلاق كميات ثابتة من المياه لا تقل عن 300 متر مكعب في الثانية لضمان استمرار تدفق النيل الأزرق.
يُعد توقيع هذه الاتفاقية بين السودان وإثيوبيا نقطة تحول في ملف سد النهضة، حيث يمثل اعترافًا سودانيًا مباشرًا بضرورة التنسيق الثنائي مع أديس أبابا، وربما يكون مؤشرًا على تباعد في المواقف بين الخرطوم والقاهرة بشأن آليات التعاطي مع السد. هذه الوثيقة تركز بشكل كبير على الجوانب الفنية والتقنية، وتُنشئ آلية تنسيق مشتركة دائمة تُعنى بتبادل البيانات اليومية والشهرية حول مناسيب المياه، التدفقات، وحتى مؤشرات جودة المياه، مما يضمن شفافية أكبر وإدارة أكثر فعالية.
وعلى الصعيد الإنساني، تسعى الاتفاقية إلى تقليل المخاطر على المجتمعات في دول المصب عبر آليات استجابة للطوارئ، حيث تلزم إثيوبيا بإخطار السودان فورًا في حال توقف غير مخطط لتوليد الكهرباء أو رصد أي مشكلات تؤثر على كمية أو جودة المياه، وهو ما يعكس حرصًا على سلامة السدود ومصالح المجتمعات المترابطة على ضفاف النهر.
لم يصدر أي تعليق رسمي حتى الآن من الحكومة المصرية حول هذه الاتفاقية. في حين أن الاتفاقية وُقِّعت في 26 أكتوبر 2022، فإن الكشف عن تفاصيلها مؤخرًا يضع القاهرة أمام واقع جديد يستدعي ردًا رسميًا يوضح موقفها من هذا التنسيق الثنائي. يرى بعض المراقبين أن توقيع السودان وإثيوبيا على هذه الوثيقة يمثل تجاوزًا للمطالب المصرية بضرورة التوصل إلى اتفاق ثلاثي شامل، وقد يؤدي إلى مزيد من التعقيد في المفاوضات المستقبلية حول السد.