في خطوة تاريخية تنهي عقوداً من الغياب، من المقرر أن يلقي الرئيس السوري أحمد الشرع كلمة سوريا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يوم 24 سبتمبر/أيلول الجاري. هذه الزيارة، التي تُعد الأولى من نوعها على المستوى الرئاسي السوري منذ عام 1967، تمثل نقطة تحول بارزة في علاقات دمشق الدولية، وتأتي بعد إجراءات دبلوماسية معقدة تم اتخاذها في واشنطن ومجلس الأمن الدولي لتجاوز العقبات القانونية.
الرحلة من إدلب إلى دمشق ثم إلى نيويورك لم تكن يسيرة بالنسبة للرئيس الشرع، الذي كان مصنفاً في السابق ضمن قوائم الإرهاب لمجلس الأمن. هذا التصنيف، الذي يستند إلى ارتباطه السابق بـ"جبهة النصرة" وما تلاها من تشكيلات، شكل عقبة رئيسية أمام أي مشاركة دولية رسمية. وبحسب مصادر مطلعة، تم تجاوز هذه العقدة عبر الحصول على "استثناء" من لجنة العقوبات في مجلس الأمن، وهو أسرع الحلول المتاحة بعد فشل محاولات رفع اسمه من القوائم نهائياً بسبب اعتراضات صينية.
تكتسب هذه المشاركة أهمية قصوى في سياق التحولات الكبيرة التي شهدتها سوريا بعد سقوط النظام السابق في ديسمبر/كانون الأول 2024. وقد وصف الرئيس الشرع نفسه الزيارة بأنها "أحد العناوين الكبرى التي تدل على تصحيح المواقف من سوريا"، مشيراً إلى أن بلاده كانت تعيش في "عزلة ضمن عزلة". هذا التصحيح جاء نتيجة سياسات دمشق الجديدة، التي ركزت على تحسين العلاقات مع دول الجوار والولايات المتحدة ودول أوروبية، ومحاربة تنظيم "داعش". وتوج هذا التحول بلقاء تاريخي بين الشرع والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض في مايو/أيار الماضي.
تأتي زيارة الرئيس الشرع إلى نيويورك حاملة معها دلالات سياسية عميقة. أولاً، هي تأكيد على شرعية الحكومة السورية الجديدة على الساحة الدولية، وتجاوز لسنوات من النبذ السياسي. ثانياً، تعكس الزيارة تحسناً ملحوظاً في علاقات دمشق مع القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي قدمت تأشيرات الدخول ورفعت حظراً كان مفروضاً على تحركات البعثة الدبلوماسية السورية. ثالثاً، تمهد الزيارة الطريق لإمكانية حلحلة بعض الملفات الشائكة.
ورغم أن واشنطن نصحت بأن تكون الزيارة قصيرة ومقتصرة على الأمم المتحدة، إلا أن التوقعات تشير إلى أن الوفد السوري يطمح إلى لقاءات ثنائية مع قادة عرب وأجانب. ومن أبرز التطورات المرتقبة هو عقد اجتماعات بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بهدف تحقيق اختراق في العلاقات الأمنية، خاصة فيما يتعلق بـاتفاق فك الاشتباك لعام 1974 وتحديد منطقة آمنة في جنوب سوريا.
الزيارة، وإن كانت خطوة إيجابية نحو الاندماج الدولي، لا تخلو من التحديات. فالعلاقات مع إسرائيل ما زالت معقدة بفعل الغارات الإسرائيلية المستمرة، كما أن هناك خلافات حول مستقبل الاتفاق الأمني. وفي هذا الصدد، أشار الرئيس الشرع إلى أن بلاده لن تكون "خجولة" في إعلان أي خطوة تخدم مصلحة البلاد وتساهم في تحقيق الاستقرار.
________________________________________________________________________________