في خطوة لافتة تعكس التحولات العميقة في السياسة الإسرائيلية، اعترف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو صراحةً بتهديد العزلة الدولية المتزايدة التي تواجهها إسرائيل. لكن بدلًا من التراجع أو البحث عن حلول دبلوماسية، اختار نتنياهو طريق التحدي، مؤكداً رؤية جديدة لمستقبل إسرائيل تجمع بين "العقل والقوة"، واصفًا إياها بأنها "أثينا وإسبارطة عظمى معاً".
هذه التصريحات، التي أدلى بها خلال مؤتمر اقتصادي في القدس، تأتي في خضم ضغوط داخلية وخارجية متصاعدة على إثر الحرب الدائرة في غزة. فبينما يواجه نتنياهو احتجاجات من عائلات الرهائن وانتقادات حادة من حلفاء تقليديين، يبدو أنه يتبنى نهجًا أكثر جرأة وغير تقليدي. يشير تحليل لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن نتنياهو، الذي كان معروفًا بحذره قبل الحرب، قد تخلى الآن عن أي قيود، وهو ما يتجلى في قراراته العسكرية وتصريحاته السياسية الأخيرة.
ويعكس هذا التحول تحليلًا عميقًا لتوجهات نتنياهو، الذي يبدو وكأنه وجد في حالة الحرب الدائمة فرصة لتعزيز موقفه السياسي. فإسرائيل التي يصفها بأنها في "خطر وجودي داهم" تلعب على نقاط قوته التكتيكية وتجمع حوله أنصاره المتشددين، الذين يلقبونه بـ "الملك" ويؤمنون بأنه الوحيد القادر على قيادة البلاد. تصريحاته الأخيرة، مثل تعهده "لن تكون هناك دولة فلسطينية"، تُعد توبيخًا مباشرًا للدول الغربية التي أعلنت عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين.
وتبرز أهمية الدعم غير المشروط من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كعامل حاسم في هذا المشهد. فوفقًا للتحليل، فإن "نتنياهو بلا قيود" قد وُلد في ظل يقينه بأن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبه مهما كان الثمن. وهذا ما أكده إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، بقوله إن ترامب هو الشخص الوحيد القادر على إملاء ما يفعله نتنياهو. كما أن عدم وجود أي انتقاد أمريكي خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، رغم المحاولات الإسرائيلية الأخيرة لاغتيال قادة من حماس في قطر، يعزز هذا الاعتقاد.
هذا الموقف المتصلب لنتنياهو يثير تساؤلات حول مستقبل المنطقة. فهل ستؤدي هذه الجرأة المتزايدة إلى تفاقم العزلة الإسرائيلية، أم أنها ستُرسخ صورة إسرائيل كقوة إقليمية لا تُقهر، كما يرى أنصاره؟ وهل ستستمر الولايات المتحدة في دعمها غير المشروط، مما يمنح نتنياهو مساحة أكبر للمناورة في وقت حاسم؟ الأيام القادمة ستحمل إجابات على هذه التساؤلات، في ظل حرب تُفاقم المعاناة الإنسانية وتُعيد تشكيل التحالفات الدولية.