ليست سوريا مجرد بقعة جغرافية، بل هي ذاكرة التاريخ التي لم تنم، وجرح الحضارة الذي لا يندمل. هنا، في قلب الشرق الأوسط، تتلألأ دمشق كنجمة في سماء الزمن، مدينةٌ أقدم من التاريخ، وأصيلة كأول حرفٍ نُقش على حجر. إنها أرضٌ وُلدت من رحم الحضارات، وعاشت على ضفاف الأنهار الخالدة، كأنها تحفة فنية رسمتها يد السماء، لتكون مهدًا للبشرية وموطنًا للآلهة.
طبقات من الزمن
في كل زاوية من زواياها، تهمس سوريا بحكايات عتيقة. هنا قامت أوغاريت لتخط أول أبجدية للبشرية، وهناك ازدهرت مملكة ماري لتشهد على عظمة الممالك القديمة. لكن الإرث السوري لم يتوقف عند الأقدمين؛ فالحضارة الآرامية، التي نشأت في قلبها، تركت بصمتها على هوية البلاد، لتصبح لغة وتراثاً يمتد لقرون. وعندما أشرقت شمس الإسلام، تحولت دمشق إلى عاصمة للدولة الأموية، لتكون منارة للعلم، وحاضرة لأكبر إمبراطورية في التاريخ.
كل حجر في سوريا هو شاهد على قصة: من جدران قلعة حلب الصامدة، إلى أعمدة تدمر الشامخة، ومن قنوات إيبلا المنسية، إلى أزقة دمشق القديمة التي تفوح منها رائحة الياسمين. إنها قصة وطن بُني بالكلمة، وصُقل بالحضارة، ونُقش في ذاكرة العالم.
ألم الحاضر وأمل المستقبل
بعد كل هذا المجد، تعرضت سوريا لجرح عميق. ففي عام 2011، تحولت إلى ساحة لصراع أليم، ألقى بظلاله على كل شيء. باتت المدن القديمة أطلالاً، وتناثرت أرواح أبنائها في بقاع الأرض. لكن روح سوريا، كطائر الفينيق، لا تنكسر. فمن بين الركام، يخرج أمل جديد.
ورغم كل الصعوبات، لا يزال الشعب السوري يحمل في قلبه ثقافة غنية وتنوعًا فريدًا. فرغم التمزق، يظل نسيجه الاجتماعي فسيفساءً فريدة من الأديان والأعراق، لا يمكن للحرب أن تمحوها. إن مستقبل سوريا قد يكون مجهولاً، لكنه يحمل في طياته وعداً بإعادة بناء ما دمره الصراع، ليس بالحجر فقط، بل بالذاكرة والروح التي لا تموت.
هل يمكن للماضي أن يكون جسرًا نحو مستقبل أفضل، أم أن جراح الحاضر أعمق من أن تشفيها قراءة التاريخ؟