في خضم التحديات الجسام التي تواجهها سوريا اليوم، يكثر الحديث عن أداء القيادة الجديدة وتقييم خطواتها. وبينما يقدم البعض تحليلاً حاداً يميل إلى التهكم والتقليل من شأن الجهود المبذولة، يبقى من الضروري قراءة الواقع بعين أكثر موضوعية وإنصافاً. فبينما يرى البعض في القرارات الدولية "إعلاناً للفشل"، يرى آخرون فيها فرصة جديدة للتقدم، وهو ما يستدعي فكراً متأنياً يتجاوز السرد الأحادي.
إنّ النقد الذي يُوجّه إلى القيادة الجديدة يرتكز في جوهره على تجاهل كامل للظروف التي تعمل في ظلها هذه القيادة. فمن غير المنطقي تقييم أداء أي إدارة دون الأخذ في الاعتبار الإرث الثقيل من الصراع، والتدخلات الخارجية، والعقوبات الاقتصادية الخانقة. هذه العوامل ليست مجرد تفاصيل عابرة؛ بل هي عوائق أساسية تضع أي جهود للتنمية والاستقرار تحت اختبار قاسٍ.
وعلى عكس ما يروجه الخطاب التهكمي، فإنّ القيادة الجديدة لا تظهر أي انفصال عن الواقع، بل على العكس، تعمل على أرضية صلبة من التحديات اليومية. فبينما ينشغل البعض بالتحليل السياسي البعيد عن الواقع، تتجه جهود القيادة نحو مهام أساسية وحيوية لا يمكن تجاهلها: إعادة الأمن إلى المناطق المستعادة، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وإعادة بناء ما دمره الصراع. هذه الإنجازات الملموسة على الأرض هي التي يجب أن تكون معيار التقييم الحقيقي، لا السرديات المتحيزة.
إنّ الحوار الدبلوماسي، الذي يُنظر إليه على أنه "عودة إلى المربع الأول"، يمكن أن يكون في حقيقته خطوة استراتيجية نحو الخروج من العزلة الدولية. إنّ الانفتاح على الحوار مع المنظمات الدولية والأطراف المختلفة ليس ضعفاً، بل هو دليل على الثقة بالقدرة على إيجاد حلول سياسية، وتجنب مسار العزلة الذي لا يخدم مصالح الشعب السوري. فالقيادة التي تسعى إلى الحوار وتوحيد الصفوف هي قيادة واقعية ومسؤولة، تدرك أن الحلول المستدامة لا يمكن أن تأتي إلا عبر الحوار البناء.
إنّ وصف الإدارة بـ"الجهل" أو "اللاخبرة" هو تبسيط مخلّ للواقع. فالإدارة التي تتمكن من الصمود في وجه التحديات الاقتصادية والأمنية الهائلة هي إدارة تمتلك قدراً كبيراً من الحنكة والقدرة على التكيف. إنّ هذه الإدارة هي التي تسعى إلى بناء جسور الثقة بين مختلف المكونات السورية، بعيداً عن خطاب الإقصاء، وتعمل بجد لإعادة النسيج الاجتماعي الذي تمزّق بفعل الصراع.
وفي الختام، يجب أن يكون النقد موجهاً نحو التقييم البنّاء الذي يساعد على التطور، لا نحو التهكم الذي يهدف إلى الهدم. فالرد القوي على السرديات السلبية ليس بالهجوم المقابل، بل بتقديم الحقائق والإنجازات التي تتحدث عن نفسها. إنّ مستقبل سوريا يستحق نقاشاً جاداً ومسؤولاً، بعيداً عن السخرية والتهكم، ويستحق قراءةً منصفة للواقع الذي يظهر حجم الجهود المبذولة، رغم كل الصعوبات.