يشهد المشهد السوري اليوم حالة من التعقيد والتجاذب بين جهود الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع لإعادة بناء الدولة، ومواجهة إرث الماضي الثقيل، وتطلعات قوى إقليمية ودولية. تتشابك هذه المسارات في سياق من التوترات الأمنية والسياسية، مما يضع مستقبل البلاد على المحك.
الانقسام يهدد الوحدة الوطنية
تُعدّ مطالب الأقليات بالحكم الذاتي واللامركزية أبرز التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة. فبعد موجة العنف التي شهدتها السويداء، ارتفعت الأصوات المطالبة بإقليم منفصل للدروز. وعلى الجانب الآخر، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن نيتها الانفصال بشمال سوريا وتأسيس دولة مستقلة عاصمتها الرقة.
تُظهر هذه المطالب فشل النظام السابق في بناء هوية وطنية جامعة، وتضع الرئيس الشرع أمام مأزق سياسي حقيقي. فبينما يتمسك برؤية دولة مركزية قوية، يرى كثيرون من أبناء الأقليات أن هذه الرؤية قد تهدد وجودهم، وتُعيد إنتاج نموذج الحكم السابق.
دبلوماسية متجددة وتدخلات خارجية
تحاول الحكومة السورية الجديدة إعادة تموضعها دبلوماسياً، حيث تُظهر مرونة في التعامل مع قوى كانت تعتبرها خصماً في الماضي. لقاءات وزير الخارجية السوري مع مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين في باريس، وزيارة وفد من الكونغرس الأمريكي إلى دمشق، تشير إلى وجود حراك دبلوماسي لإيجاد حلول سياسية وأمنية.
لكن هذه التحركات لا تخلو من التدخلات الخارجية. فالولايات المتحدة، من خلال دعمها لـ"قسد"، تُمارس ضغطاً على دمشق، بينما ترى إسرائيل في هذه الصراعات فرصة لإشغال حكومة الشرع وتأمين حدودها. أما تركيا وروسيا، فينظران إلى الأزمة كفرصة لتعزيز نفوذهما في البلاد.
صراع على الأرض والأمن
تظل الأوضاع الأمنية في سوريا هشة للغاية. ففي الوقت الذي تستعد فيه الحكومة السورية الانتقالية لعملية عسكرية واسعة ضد "قسد" في الرقة ودير الزور، تتصاعد هجمات تنظيم داعش، وتتكرر الاغتيالات في مناطق مختلفة.
كما تواجه الحكومة تحديات داخلية أخرى، مثل ملف أطفال المعتقلين الذي كشفت عنه تحقيقات دولية، والفساد الممنهج في عهد النظام السابق، والذي تحاول الحكومة الجديدة مكافحته.
وفي ظل هذا المشهد، يبدو أن مستقبل سوريا يتوقف على قدرة الحكومة الجديدة على تحقيق التوازن بين الإصلاح السياسي والاقتصادي، ومعالجة الجراح العميقة التي خلفها الماضي، في بيئة داخلية وإقليمية لا تزال مشتعلة. هل ستنجح الحكومة الجديدة في بناء دولة موحدة وعادلة، أم أن التناقضات ستدفع البلاد إلى مزيد من الانقسام والفوضى؟
Syria11News