تكشف الأحداث الأخيرة في سوريا عن مشهد معقد يمزج بين جهود الحكومة الجديدة لإعادة بناء الدولة ومواجهة إرث الماضي الثقيل، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو أمنياً. تتشابك هذه المسارات في سياق إقليمي ودولي متقلب، حيث تسعى دمشق لإعادة تموضعها واستعادة دورها، في حين تبرز تحديات داخلية وأمنية كبيرة.
إعادة بناء الاقتصاد والنظام السياسي
تتخذ الحكومة السورية خطوات ملموسة لترميم البنية التحتية الاقتصادية والسياسية. على الصعيد الاقتصادي، أعلنت وزارة المالية عن إطلاق آلية "الصفقات الضخمة" في سوق دمشق للأوراق المالية، في محاولة لجذب رؤوس الأموال وإعادة تنشيط السوق. بالتوازي، يجري العمل على إصلاحات قضائية وإدارية، حيث أصدر الرئيس السوري مرسوماً يعفي تعويضات القضاة من ضريبة الدخل، في خطوة لإنصاف القضاة المنشقين عن النظام السابق، بينما تناقش لجنة حكومية قانوناً جديداً للخدمة المدنية يهدف إلى تعزيز المساءلة الوظيفية.
أما سياسياً، فيُعد إصدار مرسوم النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب خطوة رئيسية نحو إعادة تشكيل المؤسسات الدستورية. ورغم أن هذا النظام يواجه تحديات، إلا أنه يمثل محاولة للانتقال من "مجلس التصفيق" في عهد النظام السابق إلى برلمان يعكس تطلعات الشعب، من خلال ضمان تمثيل مختلف الشرائح، بما في ذلك النساء وذوي الإعاقة.
تحديات أمنية وإنسانية
تظل الأوضاع الأمنية والإنسانية في سوريا معقدة، حيث تتصاعد التوترات في مناطق متعددة. ففي شرق سوريا، تستعد الحكومة السورية الانتقالية لعملية عسكرية واسعة محتملة ضد "قسد" في الرقة ودير الزور، مما ينذر بمواجهات كبرى. وفي الوقت نفسه، تتصاعد هجمات تنظيم "داعش"، حيث أحبطت قوات الأمن الداخلي هجوماً انتحارياً في دير الزور.
على الجانب الإنساني، يثير تقرير خبراء الأمم المتحدة حول الانتهاكات التي طالت المدنيين الدروز في السويداء قلقاً دولياً، مما يزيد من الضغط على الحكومة السورية لضمان حماية الأقليات ومحاسبة الجناة. هذا التناقض بين الخطاب الحكومي الذي يؤكد على وحدة البلاد، وبين استمرار العنف، يُبرز التحديات الهائلة التي تواجهها دمشق في فرض سيطرتها الكاملة واستعادة الاستقرار.
دبلوماسية متغيرة ومواجهة إرث الماضي
تُظهر الدبلوماسية السورية مرونة متزايدة في إعادة صياغة علاقاتها الإقليمية والدولية. زيارة وفد أميركي للكونغرس إلى دمشق، ولقاءات وزير الخارجية السوري مع مسؤولين إسرائيليين في باريس، تشير إلى وجود حراك دبلوماسي لإيجاد حلول سياسية وأمنية. وفي سياق آخر، يُعد بدء وصول الغاز الأذربيجاني بتمويل قطري عبر تركيا مؤشراً على تغير التموضع الإقليمي لسوريا، من محور صراع إلى محور تعاون.
في المحصلة، يبدو أن سوريا اليوم في مرحلة مفصلية. فبينما تسعى لتفكيك إرث النظام السابق، من خلال محاربة تجارة الكبتاغون ومحاسبة المتورطين بجرائم الحرب، تواجه تحديات كبرى في بناء دولة حديثة وعادلة. المستقبل يتوقف على مدى قدرة الحكومة الجديدة على تحقيق التوازن بين الإصلاح السياسي والاقتصادي، ومعالجة الجراح العميقة التي خلفها الماضي، في بيئة داخلية وإقليمية لا تزال مشتعلة.
Syria11News