يعد التقرير الموسع الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" حول ملف أطفال المعتقلين في سوريا أحد أبرز الوثائق التي كشفت عن انتهاكات جسيمة في عهد النظام السابق، وتسلّط الضوء على إحدى أكثر قضايا الحرب السورية إيلاماً. لم يقتصر الإخفاء القسري على المعتقلين، بل امتد ليشمل أطفالهم أيضاً، حيث تم فصلهم عن ذويهم، وإيداعهم في المياتم، وتغيير أسمائهم لإخفاء هوياتهم الحقيقية. ومع سقوط النظام وفتح الأرشيفات، أصبح هذا الملف محط أنظار الرأي العام السوري والدولي، وطرح أسئلة ملحة حول العدالة والمساءلة.
شهادة ليلى غبيس: قصة فصل قسري من داخل السجون
يروي التقرير قصة الطفلة ليلى غبيس (8 سنوات) وشقيقتها ليان (4 سنوات)، اللتين اعتقلتا مع والديهما من قبل المخابرات الجوية في عام 2015. تعرضت الأم، أمامة، للتعذيب والاستجواب، بينما جرى استغلال الطفلتين في التحقيق ضد خالهما.
التهديد بالفصل: في لحظة فارقة، أخبرت الأم ابنتها ليلى بأنها ستتحمل مسؤولية شقيقتها، لأنهما ستُفصلان عنها.
وصية الأم: أوصت أمامة ابنتها بعدم نسيان اسمها واسم عائلتها، وأن تبحث عن أهلها عندما تكبر.
الزيارة المؤلمة: بعد إضراب النساء في السجن، سُمح للأمهات برؤية أطفالهن، لكن الزيارة كانت قصيرة ومؤلمة. أمامة رأت ابنتيها وقد فقدتا وزنهما، في حين لم تتعرف ليان على أمها بعد غياب استمر عاماً ونصف.
دور منظمة SOS و المياتم
كشف التحقيق عن تواطؤ المخابرات السورية مع وزارة الشؤون الاجتماعية والمحافظين لنقل أطفال السجناء السياسيين إلى مياتم، منها ستة تابعة لمنظمة قرى الأطفال SOS الدولية.
تغيير الهوية: أظهرت الوثائق أن أطفال المعتقلين كانوا يُنقلون إلى المياتم، ويتم تغيير أسمائهم وتشجيعهم على نسيان ماضيهم، وفي بعض الأحيان يُعرضون للتبني.
إنكار SOS: نفت المنظمة الدولية علمها بتفاصيل إخفاء الأطفال، ولكن الوثائق تشير إلى أنها كانت على علم بقبولها لأطفال نقلتهم المخابرات مباشرة من سجونها السرية. كما أن المسؤولين في المنظمة كانوا يرفضون تسليم الأطفال لذويهم بعد إطلاق سراحهم من دون إذن صريح من المخابرات.
سجن "لحن الحياة": أشار التقرير إلى ميتم آخر كان يديره النظام بشكل مباشر، ويُعرف باسم "لحن الحياة". وكان يتم نقل الأطفال بين المياتم، وفي بعض الأحيان تحت جنح الظلام.
جهود تحقيق ومحاسبة
تأتي هذه التحقيقات في سياق جهود الحكومة السورية الجديدة لمكافحة الفساد ومحاسبة المتورطين في جرائم الماضي.
لجنة تحقيق: شكلت الحكومة لجنة للبحث عن المفقودين، أكدت رئيسها، رغد زيدان، أن اللجنة جمعت أسماء 314 طفلاً على الأقل من أبناء المعتقلين الذين نقلوا إلى دور الأيتام.
محاسبة المسؤولين: ألقت الحكومة القبض على وزيرتين سابقتين للشؤون الاجتماعية وعدد من مدراء دور الأيتام للتحقيق معهم في ضلوعهم بإخفاء الأطفال بشكل قسري.
تبرز هذه الممارسات مدى وحشية النظام السابق، الذي لم يكتف بقتل واعتقال المعارضين، بل امتدت يده لتطال أطفالهم، وتحاول محو هويتهم وماضيهم. هذا الملف، رغم إيلامه، يمثل جزءاً أساسياً من عملية العدالة الانتقالية في سوريا، ويُشكل تحدياً كبيراً للحكومة الجديدة التي تسعى لإعادة بناء الثقة مع الشعب.
Syria11News