في ظهور هو الأول من نوعه لرئيس سوري على منصة دولية بهذا المستوى، شارك الرئيس أحمد الشرع في قمة "كونكورديا" في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في حوار صريح إلى جانب المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) الجنرال ديفيد بترايوس. وقدّم الشرع رؤية جديدة ومغايرة لسوريا، مبنية على الحوار، والتنمية، والتوحد، بدلاً من الصراع والانقسام الذي ساد لعقود.
أكد الرئيس الشرع أن سوريا قد انتقلت من "ساحات الحروب إلى ساحات الحوار"، وشدد على أن أولوية المرحلة القادمة هي التنمية الاقتصادية، معتبراً أن هناك علاقة وثيقة بينها وبين الأمن والاستقرار. كما كشف عن "مصالح متطابقة" بين سوريا والولايات المتحدة، مشيراً إلى أن بلاده تسعى لبناء علاقات طبيعية مع جميع الدول. هذا التصريح، الذي جاء في حضور شخصية أميركية عسكرية واستخباراتية مرموقة مثل بترايوس، يحمل دلالات عميقة على رغبة القيادة السورية الجديدة في الانفتاح على الغرب وطي صفحة الماضي.
في سياق داخلي حساس، أكد الشرع أن الحكومة الجديدة تمثل كل أطياف الشعب، ورفض مبدأ "المحاصصة" في تقسيم السلطة، مؤكداً على "التشاركية". كما كشف عن مبادرة لدمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الجيش السوري، مع التعهد بحفظ حقوق الأكراد، داعياً "مظلوم عبدي" إلى استغلال اللحظة التاريخية. هذا الطرح يمثل خطوة استباقية لمعالجة أحد أبرز الملفات الشائكة في الشمال السوري، وإرسال رسالة تطمين لأطراف دولية وإقليمية.
تطرق الشرع بجرأة إلى الإرث الصعب الذي ورثته الحكومة من "النظام السابق"، متهماً إياه بالعمل على تقسيم الشعب، ومؤكداً التزام الحكومة بمحاسبة كل من ارتكب انتهاكات ضد المدنيين، مهما كان منصبه. هذه التصريحات، التي تشير إلى محاسبة داخلية، تهدف إلى بناء الثقة مع الشعب السوري والمجتمع الدولي.
ولعلّ أبرز ما جاء في الحوار هو كشف الشرع عن وصول المفاوضات مع إسرائيل إلى "مراحل متقدمة" بناءً على اتفاقية عام 1974. وأوضح أن سوريا مستعدة لمناقشة "المخاوف الأمنية الإسرائيلية"، مع التأكيد على أن الجولان أرض سورية محتلة. هذا الموقف يعكس واقعية جديدة في السياسة الخارجية السورية، حيث تبدي القيادة الجديدة استعداداً للتهدئة وتجنب المواجهة العسكرية، والتركيز على التنمية الداخلية.
التحليل: الحوار بين الرئيس الشرع والجنرال بترايوس يمثّل حدثاً فارقاً. فعلى الرغم من أن بترايوس لا يمثل الإدارة الحالية، إلا أن مشاركته تعكس وجود اهتمام أميركي رفيع المستوى بالقيادة السورية الجديدة ورؤيتها. تصريحات الشرع حول التشاركية ورفض المحاصصة، وتقديم يد المصالحة لقسد، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، تتماشى مع المطالب الدولية للإصلاح. كما أن كشفه عن المفاوضات المتقدمة مع إسرائيل يشير إلى أن سوريا قد تكون بصدد إعادة تشكيل تحالفاتها الإقليمية، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على خريطة القوى في المنطقة، خاصة مع إشارته إلى أن الحرب في غزة تؤثر على المزاج العام في سوريا.
إن مشاركة شخصية مرموقة مثل الجنرال بترايوس في هذا الحوار تُعد بحد ذاتها مؤشراً على وجود اهتمام أميركي بالتحولات في سوريا. كما أن كشفه عن المفاوضات مع إسرائيل قد يفتح الباب أمام المزيد من التكهنات حول طبيعة الاتفاقات المحتملة التي قد تشمل تسوية أمنية مقابل تسوية سياسية.